فرصةٌ للحلمِ... فرصة للتشرّد
نظرت إلى معصمها.. فوجئت.. لم تكن تتوقّع ذلك.. راحت تدقُّ الأرض بنعليها على نحو ملحوظ... "لقد تأخرتُ.. الساعة الآن السادسةُ والربع مساءً.. لقد انقضت ربعُ ساعة على الموعد المحدد.. فترةٌ طويلة، طويلة جداً في عمر المواعيد..".. أسرعتْ أكثر.. كادت تتعثّر في مشيتها.. ".. لا.. عليَّ أن أحتفظ بالتوازن والوقار.. لعن الله الازدحام وأزمة المواصلات.. لقد خرجتُ من البيت مبكرة كي أصل في الموعد المحدّد... أتصوره من بعيد يجلس وحيداً.. يحملقُ حوله بلاهدف.. ينظر إلى ساعته بقلق.. ينقر على الطاولة بأصابع متشنجة.. لابأس سأعتذر.. إنه يعرف كيف تتقيأ "باصات" النقل الداخلي مئاتِ الناس في كل موقف.. وكيف تظل أكداسٌ بشرّيةٌ على الأرصفة تتلهّفُ بأبصارها عبرّ النوافذ."
قطع سيلَ تداعياتها بابٌ عريض ملوّن، تتضاحك الأنوار داخله عبرَ ستائر شفافة، قد ألفتهُ كثيراً.. إنه "كافتريا الزهور"... "لقد وصلت".. تأخرتُ كثيراً، ليس في اليد حيلة.. لاشك أنّه يقدّر ذلك.. سأذيب تجهّمهُ بابتسامتي المعهودة فيضحكُ وينتهي كلُّ شيء.." تباطأتْ قليلاً.. أصلحت من قيافتها.. ازدردت نفساً طويلاً، ودخلت متسلّحة بوقار أصيل.. خفّفت من طرق نعلها على الأرض الملساء اللامعة.. صوّبت نظراتها باتّجاه محدّد.. أكلتها المباغتة.. الطاولة التي اعتادت أن تجلس إليها مع سامر كانت خالية.. نظرت في كل الاتجاهات .. لم تجده.. "الكافتريا" كانت تغصُّ بالروّاد عدا بعض الطاولات المبعثرة هنا وهناك.. شعرت بالإحباط والخوف معاً.. صاحت في أعماقها "أيعقلُ ذلك؟".. تقدمت بخطوات حائرةٍ نحو الطاولة.. كانت تسدّد نظراتٍ جريئةً إلى كل الزوايا،.. "علّه يجلسُ في مكان آخر.. غير معقول.. في كل مرة كان سامرٌ يسبقني إلى الموعد ويعاتبني على التأخر.."... ألقت محفظتها على سطح الطاولة، وهبطت ببطء شديد على كرسيّها، وراحت تبعثر نظراتٍ متسائلةً.. غرقت في دهاليز صمت محيرّ.. مضغتها عيون الحاضرين.. قرأت في نظرات بعضهم عباراتٍ مشتتةً... عاشقةٌ تنتظر.. صّيادةٌ ماهرة ترمي بشباكها.. عاشقةٌ تخلى عنها صاحُبها.. تعالت ضحكاتٌ متداخلة من كل زوايا "الكافتريا".. آلمها ذلك جداً.. اعتصرها من الداخل بقسوة.. تعرّق جبينها وعنقها بحبّات من الرذاذ الساخن.. أصلحت من جلستها.. أولت ظهرها للناس.. لفّت ساقاً على ساق، وراحت تعبث بمحفظتها بحركات عشوائية... هتفت في أعماقها... "لابدَّ أن يأتي.. سيأتي لاليلتقيني فحسب.. إنني على موعد معه ليزفَّ لي بشرى هامّةً جداً.. آهٍ كم أتلّهفُ لتلقي تلك البشرى.. لا.. لاياسامر.. لاتقل انك أخفقت.. لا أبداً.."
استدرجتها تلك الأماني العذبة إلى شهور طويلة خلت.. وراح شريط الذكريات يفرز الألوان والصور.. "لا.. لن يكذب سامر.. إنه خطيبها منذ سنتين.. انتزعها من بين تلميذاتها الصغيرات.. إنه رجل شهم نبيل.. معلمٌ مثلُها.. يطعمُ تلاميذه فتاتَ قلبه وعواطفه.. فكيف يكذب... عرفتُ الحبَّ على يديه... عرفتُ معه قسوة الانتظار والحياة الصعبة .. عامان والحياة المرة تلفنا بردائها ، والأمل يتجدد .. ما أصعب حياة الشرفاء في مجتمع الغابة."
تماهت مع أحلامها.. اضطرب شريط الذكريات أمامها.. نقلهاإلى محطات لولبيّة ضبابيّة وراحت تتخبّط.. غاصت بعيداً في أوحال المدينة الظالمة... انتشلها من الطين، شبحُ رجل يقف إلى جانبها، يمسكُ حافةَ الطاولة بأصابعَ متشنّجة... فاجأها سامر.. أعادها إلى واقعها.. حاولت أن ترحّب به، تخثّرت الكلمات في حلقها.. كان واقفاً أمامها كأنه تمثال من حجر.. مافتئ ينظر إليها بعينين خاليتين من البريق.. وما فتئت هي تتقلّب في أحضان المباغته... كسرت طوق الجليد.. رسمت على شفتيها ابتسامةً مصنوعة.. سألته بصوت هامس:
سامر.. لقد تأخرتَ كثيراً!! ألم تتوفق في العثور على بيت؟؟..
بلى ياحبيبتي لقد عثرت..
هنيئاً لنا... وكم أجرته؟؟...
غرس عينيه في عينيها.. تلّمظَ قليلاً..
فقط.. ثلاثة آلاف ليرة سورية، تُدفع في مطلع كل شهر...
سقطت الابتسامة عن شفتيها.. صاحت:
... ماذا...!!
نعم.. والوسيط يريدُ ألف ليرة...
شعرتْ بغثيان مباغت يجتاح جسدها.. توحّدت مع كرسيّها... ظل سامرٌ واقفاً كجذع شجرة كُسِرت أغصانها.. سافر كلٌّ منهما إلى شواطئ بعيدة، بينما كان السُّباتُ يفقأُ العيون....
***
وقف كبيرُ الطلاب وراء باب الصف، وراح يختلس نظراتٍ مرحةً إلى البهو.. صاح.. إجلسوا في أماكنكم.. لقد جاء الاستاذ.".... انتصب الاستاذ بقامته الفارعة وراء طاولة الصف... وقف الجميع.. ساد صمت مذهل.. أشار بيده فجلسوا.. تبادلوا فيما بينهم نظراتٍ ذاتَ معنى.. أمسك الأستاذ قطعة حوار أبيض.. كتب: الحصة الأولى.. المادة تعبير.. الصف التاسع الإعدادي.. ثم راح يملأ فراغ السبورة...
وقف أحد الطلاب مقلّداً الاستاذ في تقطيب حاجبيه، وتجهّمِ ملامحه.. ضحك الجميع ضحكاً أخرس، واختبأ كل منهم وراء ظهر رفيقه...
استدار الاستاذ... بصوت واثق رزين قال:
إقرأ يامازن..
وقف مازن.. حزمَ أمره، وأخذ يقرأ:
المعلمُ ذلك الإنسان المعطاء.. المكافح أبداً.. يعطي ولايأخذ..
. .... " ثلاثة آلاف ليرة سورية في مطلع كل شهر.. لكأنها قصة من قصص الخيال... إذا كان راتبي لايزيد عن ألفي ليرة إلاّ قليلاً.. فمن أين أتدبَّرُ أمر الألف الثالثة!! "
جاءَه صوتُ مازن يقرأ متعثراً..-.. إنه مثالٌ للتضحية... فهو على مرِّ الأجيال شمعةٌ تحترق لتضيء الدربَ لغيرها..
. ..."كان عليَّ أن أكون واقعياً أكثر.. لقد كنتُ مسوقاً بعواطفي.. مندفعاً بأحاسيسَ تتعالى على الواقع المر.. ماذنبُكِ أنتِ ياسوسن.. سنظلُّ معاً نتقنُ لعبةَ الإغماءَة.. ونجيدُ نزيف الألم بحثاً عن الفردوس المفقود..."
.. استاذ.. مامعنى هذه العبارة: "فهو على مر الأجيال شمعة تحترق."؟؟
.. اجلس ياسعيد.. من منكم يشرح هذه العبارة؟؟...
سقطت غرفة الصف في دوّامة من الهمس الدافيء.. لم يرفع يدَه أحد.. خرج الاستاذ سامر عن تشتّته.. حنجرتُه تغصُّ بالخثرات.. صوته متهدّج.. راح يشرح..
... المعلم يحمل مَهمَّةَ تنوير الأجيال.. وهذا يقتضيه جهداً شاقاً.. فهو بذلك كالشمعة التي تذوب شيئاً فشيئاً..
ابتسم الطلاب بخبثٍ طفولي.. أحسَّ الاستاذ بشرخ حادّ في نفسه.. تابع مازن قارئاً:
.. فالمعلم أداة تطور الشعوب والأفراد، وهو عنصر رئيس من عناصر بناء المجتمع
. ...." ولكن سوسن مثلي.. نحن شريكان في مواجهة الحياة.. كلانا مسحوق، يبتلعنا رجال من اسمنت وحديد.. تلفنا دوامة الشقاء فتعركنا.. المدينة تتسع وتتسع... تبتلع الأرض والهواء.. ويغدو البيتُ حلماً.. أسطورة.."
أيقظه صمت الصف الدافيء... تنبّه.. نظر إلى مازن بعيون متسائلة..
.. لماذا لاتقرأ؟؟.. أجاب مازن:
.. لقد أنهيت.. قرأتُ كل ماكتب على السبورة..
دخل الاستاذ في متاهات غيظ حقيقيّ مر.. خشي أن يقرأ الصغار تشتتّهُ وأفكارَه الحبيسة.. عاد إلى وعيه وقال:
.. من خلال ماقرأ تم.. ليكتب كل منكم موضوعاً تعبيرياً.. وابدؤوا للحال.. تصاعدت في جو الصف همساتٌ وحركات وضجيج خافت.. مالبث أن انتهى إلى صمتٍ لايخدشه إلاّ أصوات صرير الأقلام الخرساء على السطور البيض..
ابتلع الصمتُ الغرفة من جديد.. وحلَّقَ في الغرفة بخارٌ يتلوّى ببطء....
. ..." سأواجهها بالحقيقة.. إنها فتاة طيبة وادعة.. أحبها ملءَ قلبي.. إنها معلمةٌ مثلي.. شمعة تحترق.. فلتحترق مثلي بنار رجال الاسمنت والحديد.. ودخان الألوف والملايين التي تَدُكُّ الجيوب.. سوسن.. لك الخيارُ المرُّ.. فإما صمود تحت مطارق الشقاء.. وإمّا فراق لالقاء بعده.."
قرعَ أذنيه صوتُ تلميذ من آخر القاعة.. " أستاذ لقد أنهيت كتابة الموضوع.".. أزعجه أن يتخلص من خواطره الدّبقة ويعودَ إلى الواقع المر.. راح يجوب الغرفة بين المقاعد، يدقّق فيما كتبه التلاميذ... أَحسَّ بالنزيف يتعمّق.. توقَّف فجأة إلى جانب طالب أكبَّ بمرفقيه على ورقته.. كان خيال سوسن مايزال يداعب مشاعره، والهمُّ يقتات جسده بشراهة....سحب الورقة من بين يديه.. قلّبها.. إنها بيضاء.. لم تسوّد سطورّها أيّةُ كلمة.. وجَّه إليه نظراتٍ متسائلة..
... لماذا لم تكتب شيئاً؟؟..
سكت الطالب طويلاً.. ألحَّ عليه المعلم.. أجاب بصوت هادئ:
.. لم أعرف ماذا أكتب...
رفع الاستاذ حاجبيه، وقد تمزّق أكثر.. الشروخ ازدادت عمقاً في داخله..
.. لماذا!!؟؟
أجاب الطالب بجرأة مهذّبة:
لست أدري.. كيف يمكن للمعلم أن يحترق ويعطي بآن واحد!!...
شيٌ ماحادٌّ وخز الاستاذ سامر .. حدّق في الطالب ملياً .. تفجرت في أعماقه أفكار مكبوتة حبيسة.. التمع في عينيه ماءٌ عذبٌ فّياض.. رحلَ إلى آفاقٍ بعيدةٍ غير محدودة.. وضع يده على السبب.. ظل لفترة غير قصيرة ساهماً شارداً... عاد لوعيه.. وضع يده على كتف الطالب ربت عليها برفق وقال له:
... أحسنتَ يابني.. ورقتُك ليست بيضاء، فلقد كتبتَ كلَّ ماينبغي كتابتُه..
وفيما كان جرس نهاية الحصة يقرع.. كان المعلم ينسحبُ من الغرفة وهو يختزل في رأسه كلَّ صور الأحلام والرغبات والذاكرة المتعبه.. ويمضغ في سره كلمات لايستطيع الصغار فهمها... " كي يحترق المعلم، يجب أن يطمئن إلى حياته وكرامته.. بعيداً عن صحراء الحياة ومستنقعاتها."
استوقفه مدير المدرسة.. قدّم إليه بطاقة صغيرة.. قرأ البطاقة: المركز الثقافي العربي يدعوكم للاستماع إلى المحاضرة التي يلقيها الدكتور (س) بعنوان " التضخم السكاني والتنمية "... وذلك في الساعة السادسة من مساء يوم الأحد
في قاعة المركز... لم يجد الاستاذ سامر مقعداً فارغاً في الصفوف الأمامية.. لاب بعينيه، التجأ أخيراً إلى مقعد في الزاوية اليسرى من الصف الخلفي.. غاص في مقعده، مسحّ المكان بعينين حادتين.. لم يجد أحداً يعرفه.. كان يرغب في أن يحدِّثَ أحداً.. غرق في متاهاته وراح ينحت تماثيل مشوهةَ ويبني قصوراً بلا أعمدة....
هل جاء متأخراً.. هكذا يبدو.. لقد كان صوت المحاضر يزرع الصمت المهيب في أرجاء المكان.. والعيون كلها مشدودة بقوة إلى مصدر الصوت.. لم ينتبه إلى ذلك لحظة دخوله.. شدَّ على أسنانه.. آلمه أن يصبح مسكوناً بالهواجس المرّة.. صبَّ كل اهتماماته باتجاه المنصّة.. في البدءِ لم يفهم شيئاً.. لقد ضاعت منه المقدمات اللازمة.. أخيراً أمسك طرف السبحة.. تواصل معها.. صوت المحاضر يملأ أذنيه.. عباراته تقرعُ ذهنه وأعصابه: "إن التضخم السكاني الذي طرأ على البلاد في السنوات الأخيرة، أربك الوضع الاقتصادي، وأحدث فيه خللاً واضحاً.. الأمر الذي فرض على الوضع الاجتماعي علاقاتٍ مضطربةً مشوّشة."..
كان يختزن كل كلمة يسمعُها.. يتوحدُ معها.. ولكنه ماعتّم أن راح يسيل .. يسيل.. نحو منحدر واسع.. منحدر هلامي، يمتدُّ خارج حدود الزمان والمكان..
قَرَعَتْ عبارات المحاضر رأسه.. أفقدته توازنه.. لفّته تيارات باردة من البخار الدّبق.. أفلت منه زمام التواصل مع المحاضر.. ضاع في زحمة التداعيات.. ظل الصوت يقرع أذنيه.. ثبّت عينيه على المنصة.. كان جسدُ المحاضر يتلاشى شيئاً فشيئاً.. غرق في العدم.. المنصة.. زالت.. صوت المحاضر حيٌّ في أذنيه.. كلمات زائفة لايفهم منها شيئاً.. ازداد توغلاً في منحدره الهلامي.. القاعة اتسعت، تهدمت جدرانها.. لم يعد يرى أحداً حوله.. أين الحضور!!؟؟.. صوت المحاضر مايزال يرنّ.. يرنّ... نبتَ مكان المنصة بناء ضخمٌ أنيق.. القاعةُ زُرعت كُلُّ جنباتها بالأبنية الشامخة.. شرفاتٌ أنيقة.. ردهاتٌ فسيحة.. شوارعُ عريضة تخترق الأبنية المترفة.. الأرصفة مسوّرة بالأشجارِ والمحلاتِ التجارية المزدانة "بالديكور" والأضواء التي تبعث النشوة.. الناس يتزاحمون عبر الشوارع وأمام المحلات.. دسَّ نفسه بين الزحام وراح يلهو بالتفرج على المعروضات.. قرأ لوائحِ الأسعار.. سقط في مستنقع الخوف.. أصيب بما يشبه الخشية.. كان أولّ من التقاه عرضاً في منتصف الطريق رجل قصير يدفع الهواء بكرشه ومنكبيه... عرف فيه الوسيطَ الذي صعقه ذات يوم.. اقترب منه هاشاً، حاول مصافحته.مرق الوسيط بسرعة مكتفياً برد التحية وغاب في الزحام... "غريب أمر الناس.. كلهم في عجلة من أمرهم"... تابع جولته كغريب يقضم الوقت.. كان صوت المحاضر مايزال يرن في أذنيه، يأتيه من كل زاوية.. من المحلات.. من الشرفات.. من مداخل الأبنية.. من الأرصفة... دخل في روعهِ أن الناس كلَّهم يستمعون للمحاضرة.. وأن عبوسهم الذي يملأ وجوههم نوعٌ من الإصغاء الدقيق... سرّه ذلك.. حاول أن يستعيد التواصل مع المحاضرة... ضبط أعصابه.. حدّق في زاوية واحدة.. أصاخ السمع أكثر... جاءَه صوت المحاضر صافياً واضحاً.. لكن أين هو المحاضر!!؟؟.. في أية زاوية يجلس!؟.. إنه لايراه.. راح يبحث بعينيه.. بأذنيه.. بجسده... فوجيء..المحلات تغلق أبوابها بسرعة .. والأنوار تبتلع ألسنتها .. والسيارات الأنيقة تتهادى فوق إسفلت الشارع وحجارة الأرصفة . سقط في ظلام مفاجىء... جلده خوف عميق.. لجأ إلى الهروب السريع.. حرك ساقيه بعصبيّة ونزق، لحظتئذ وجد نفسه يقف على قدمين متعبتين، ولهاثٌ مرٌّ يحطّم صدره ويقطع الأعصاب.. والناسُ من حوله ينسحبون من باب القاعة الرئيس، وهم يتحلّقون حول المحاضر...
عندئذ عادت خواطره ترصد له موقفاً أحادياً في علاقته بالعالم... موقفاً موشحاً بألوان الهزيمة.. حزم مخاوفه المبعثرة تأبّط أحلامه المخفقة، وأسرع يندس بين الزاحفين عبر الباب..
في طريق العودة إلى البيت كان وحيداً.. الحاضرون تفرّقوا جماعاتٍ... حاول أن يستذكر شيئاً مما قاله المحاضر... خانته الذاكرة.. جلَدَ أعصابه أكثر.. فسقط في سُباتٍ من النسيان الرمادي... فقط ثلاثةُ أشباحٍ مرّةٍ كانت تملأ صفحةً كيانه.. سوسن.. البيت.. الوسيط...